الخلق والخلق الجديد

ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير ﴿


سورة الشورى: 29

يمكننا أن نرى في قصة الخلق هيمنة الله على كل شيء. وقوّة الله وهيمنته مجرّد بداية في القصة، فمن المهم إذن أن نتدبّر القصة ونفهمها على نطاق أوسع، هذا لأننا نعيش في زمن تعرض فيه الجمال الذي خلقه الله في البدء للفساد، ومن السهل أن نغفل عن مقاصد الله عزّ وجل.
لقد الله خلق السّماوات والأرض في أحسن صورة، وجعل آدم وحواء ونسلهما خلائف له، وأعطاهم سلطانا على كل المخلوقات، لذلك كانت السماوات والأرض وما فيهما في تناغم، وعندما عصى آدم وحواء ربّهما تلف كل شيء وقصرا عن مقاصد الله الجميلة وتسرب الإثم والفساد إلى الكون. ﴿ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس﴾ [سورة الروم: 41]. ثم طرد آدم وحواء من الجنة ومنعتهم الملائكة من العودة إليها بسيف مشتعل بالنار.
ورغم هذا العقاب الذي أرسله الله على آدم وحواء، يحقّق الله وعده في النهاية بحلول المملكة الربّانية (فلا لعنة تلاحقُ أهلَ هذه المدينة المحروسة بعد الآن) [كتاب الرؤيا 22: 3]. وقد أوحى الله على لسان النبي أشعيا (فيسكن الذئب مع الخروف ويرقد النمر مع الجدي ويكون العجل والخروف في أمان مع الأسد ويقودهم جميعا طفل صغير…وفي جبل الله المقدّس لا شيء يؤذي ولا شيء يضرّ لأنّ الأرض ستمتلئ بالعارفين بالله امتلاء البحار ماء) [كتاب النبي أشعيا 11: 6-9]
ويشير القرآن الكريم إلى أن الكون سيعود إليه جماله من خلال مصطلح الخلق الجديد [سورة ق: 15]. وهذه الحقيقة مشار إليها في كتب الأنبياء وكتابات الحواريين، فعلى سبيل المثال قال الله على لسان النبي أشعيا: (ها أنا أخلق سماوات جديدة وأرضا جديدة فينسى الناس الماضي البعيد) [أشعيا 65: 17]، ويشمل هذا الخلق الجديد كل الناس من جميع الديانات والملل والأمم. (الختان من عدمه لا أهمية له، بل الشيء المهم هو انضمامنا إلى خلق الله الجديد) [الرسالة إلى أحباب الله في غلاطيا 6: 16]
وفي ذلك الوقت كان الختان علامة هامة على انتماء الشخص إلى المجتمع اليهودي، لكنّ مقاصد الله الأبديّة هي دعوة جميع الناس إلى خلقه الجديد. واعتبر اليهود أن الأمّة اليهودية هي الأمّة الوحيدة التي اصطفاها الله.
ونرى لمحة عن هذا الأمر في كتاب الرؤيا للحواري يوحنا. إذ سجّل في هذا الكتاب: (وسمعت صوتا عاليا لهاتف انبعث من قرب عرش الله المجيد قائلا: ” الآن يتجلّى الله بين العالمين ويحلّ بينهم، ومن الآن تصبح شعوب العالم كلّها عباده الصالحين، إنّ الله رفيقهم الأعلى. ومن عيونهم يكفكف تعالى كل دمعة. فلا موت يتسلّط عليهم بعد الآن، ولا بكاء ولا ألم يصيبهم ولا هم يحزنون، فكل ما مضى قد انتهى وانقضى) [كتاب الرؤيا 21: 3-4].
تمنح المملكة الربانية كل الشعوب والأمم خليقة جديدة، وتكسبهم روحا جديدة، يعيشون فيها بسلام وصلاح وفرح وسرور، وتسود بينهم المودة والرحمة. فهنيئا لمن انضمّ إلى هذا الخلق الجديد والمملكة الربانية.

يسّرنا أن نساعدك

إن كان لديك أي سؤال عن هذا الموضوع أو غيره يمكنك إرساله لنا

1 + 12 =