7

قصّة النّبيّ نوح

مدخل إلى قصّة النّبيّ نوح

جاء النّبي نوح (عليه السلام) في الجيل العاشر بعد سيدنا آدم (عليه السلام). وجاء أوّل ذكر للنبي نوح والطّوفان في التوراة، ثمّ ذُكرت هذه القصّة في الكتب السّماوية اللاّحقة مع شرح لأهميّتها وإضافة لبعض التفاصيل. ونرى في قصّة النّبي نوح كيف انتشر الفساد بين الناس في العالم بعد الخطيئة الأولى لآدم وحواء، إلى درجة أنّهم ((مَلأوا الأرضَ فَسادًا وظُلمًا)) [التكوين 6: 11]. وفي النهاية عاقب الله كلّ من ارتكب إثما مع أنّه صبور حليم. وذكرت الكتب السّماوية التي جاءت بعد التوراة، أنّ النّبي نوح نادى في قومه أن يتوبوا كما ذكر الحواري بطرس: ((النَّبيُّ نوحٌ الّذي كانَ يَدعو إلى الصِّراطِ المُستَقيمِ)) [رسالة الحواري بطرس الثّانية 2: 5]. ورغم دعوته لم يستجب قومه له كما نرى في سورة نوح ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا﴾ [سورة نوح: 5-6]. وتحتوي هذه القصّة عبرة مهمّة إذ يأتي إعلان الله بخصوص الإنسان بعد الطّوفان أنّ ((ميول قلبه شرّيرة منذ الطفولة)) [التكوين 8: 21]. وترد قصّة الطّوفان الكبير الذي عمّ العالم في عدّة أساطير قديمة شأن ملحمة قلقامش وملحمة أتراهاسيس. وجاءت كلتا القصّتين في اللّغة الأكادية في القرن الثّامن عشر قبل الميلاد أو ربّما قبل هذا التاريخ. ونجد قصّة الطّوفان في قصّة زيوسودرا البابليّة من القرن السّابع عشر قبل الميلاد أو ربما قبل هذا التاريخ، ونجدها أيضا في كتاب أفلاطون المسمّى بتيميوس. ولم يكترث الرّواة القدامى برواية التّفاصيل العلميّة المتعلّقة بالطّوفان بل سعوا إلى بيان سبب حدوث طوفان على هذا النّحو. وفي إحدى القصص الوثنيّة في اللغة الأكادية على سبيل المثال، يرد شرح مفاده أنّ الطّوفان حلّ على النّاس بسبب إزعاجهم لإله الطّقس أو الجو بكثرة الضجّة التي أحدثوها على الأرض. وحاول بنو يعقوب أن يفسّروا سبب حدوث هذا الطّوفان. ولكنّ قصّة الطّوفان في التوراة تبيّن أنّ الله تعالى يختلف عن تصوّر الوثنيّين لآلهتهم. فالعبرة من قصّة الطّوفان عندهم إذن تعود إلى عبرة قصّة أبينا آدم، ألا وهي أنّ عصيان الله يؤدّي إلى الهلاك. ويأتي ذكر الطّوفان ضمن قائمة قديمة لأسماء الملوك السّوماريين. وتفصل هذه القائمة التّاريخ إلى قسمين، قسم ما قبل الطّوفان وقسم ما بعد الطّوفان. وتمتّع ملوك ما قبل الطّوفان بأعمار طويلة للغاية، بينما عاش ملوك ما بعد الطّوفان أعمارا أقصر بكثير. ويرد في التوراة الاختلاف نفسه في أعمار النّاس الذين عاشوا زمن ما قبل الطّوفان وما بعده. ويرى الباحثون أنّ الأعمار الطّويلة المذكورة لشخصيات ما قبل الطّوفان ليست أعمارهم الحقيقيّة وإنّما وردت لأهداف رمزيّة. لم ترد في التّوراة قصّة ابن نوح المتمرّد الذي مات غرقا، بل جاء ذكر لابن رابع للنبي نوح اسمه كنعان في تفسير يهودي يعود إلى القرن العاشر للميلاد (ميدراش دي بيركي رابي اليعازر). ويقول بعض المفسّرين المسلمين أنّ هذا الابن يدعى يام أو كنعان ويؤكّدون أنّه الابن المذكور في القرآن. وبعد نزول النّبي نوح (عليه السّلام) ومن معه من السّفينة بنى مذبحا، ثمّ ذبح بعض الحيوانات المقبولة للذبح وأحرقها قربانا لله. وجاء هنا أوّل ذكر في الكتاب المقدّس من بعد زمن هابيل لهذه العادة القديمة. وفي ثقافات الشرق الأدنى القديم، كان شائعا بين النّاس أن يعبدوا آلهتهم من خلال إحراق ذبائح قربانا للآلهة. وقد سمح الله لعباده الصّالحين أن يستمرّوا في ممارسة هذه العادة كإجراء مؤقت، وطالبهم تعالى بذبح الحيوانات باسمه وألاّ يقدّموها للأصنام شأن الوثنيّين. وكان مقصد الله من هذا الأمر أن يهتدي بنو يعقوب مع مرور العصور إلى مفاهيم متطوّرة للعبادة. وبعد أن قدّم النّبي نوح قربانا لله، أقام الله تعالى ميثاقا معه، وفيه وعد من الله أنّه لن يدمّر الأرض بالطّوفان مرّة أخرى. ويرى كثير من الدّارسين أنّ شروط هذا الميثاق وقوانينه تنطبق على كلّ البشرية ابتداء من النّبي نوح وذرّيته. ووعد الله أيضا أنه سيخفّف عاقبة خطيئة آدم وحواء قليلا ويريح البشرية من خلال النبي نوح. وتنبّأ لامك والد النبي نوح بهذه الراحة (انظر سفر التكوين 5: 29). ويأتي تحقيق هذا الوعد في ميثاق الله مع النبي نوح (انظر التكوين 8: 21 و22) ولكن البشر خالفوا شروط هذا الميثاق فيما بعد، كما ذكر النبي أشعيا (كتاب النبي أشعيا 24: 5)، لذلك فإنّ تخفيف عواقب اللعنة لم يستمر كثيرا. لقد فهم كثير من الناس سفينة نوح كرمز للنجاة، وخاصّة ما جاء في الإنجيل الشريف: ((أمهَلَهُمُ اللهُ بِصَبرِهِ عِندَما رَفَضوا طاعتَهُ أثناءَ بِناءِ سَفينةِ النَّجاةِ الّتي نَجا بواسِطتِها عَدَدٌ قَليلٌ مِن النّاسِ، لا يَتَجاوزُ الثَّمانيةَ، وبِالماءِ كانَت نَجاتُهُم. وهذا رَمزٌ للّذينَ يَتَطَهِّرونَ بِهِ صِبغةً مِن اللهِ، إنّهُ الماءُ الّذي أنتُم بِهِ الآنَ ناجونَ، وهذا لا يَعني غَسلَ الجِسمِ لتَنظيفِهِ، وإنّما هو عَهدٌ نُقيمُهُ مَعَ اللهِ بِضَميرٍ نَقيّ)). [رسالة الحواري بطرس الأولى 3: 20 و21].

قصّة النبي نوح

الأجيال بين آدم ونوح

رُزق آدم (عليه السّلام) في سن مئة وثلاثين سنة بابن يُشبِهُهُ كثيرًا وسمّاه شيثًا.(٢ وبعدها أنجب غيره من البنين والبنات. وبلغ مجموع السنوات الّتي عاشها آدم (عليه السّلام) تسع مئة وثلاثين سنةً.(٣ ورُزق شيث بأنوش عندما بلغ مئة وخمس سنين وبعدها أنجب غيره من البنين والبنات. وتوفّي شِيث عندما بلغ تسع مئة واثنتي عشرة سنة. ورُزق أنوش بقينان عندما بلغ تسعين سنة وبعدها أنجب غيره من البنين والبنات. وكان مجموع السنوات الّتي عاشها أنوش تسع مئة وخمس سنين. ورُزق قينان بمَهلَليل عندما بلغ سبعين سنة وبعدها أنجب غيره من البنين والبنات، وتوفّي قينان عندما بلغ تسع مئة وعشر سنين. ورُزق مَهلَليل بيارِد عندما بلغ خمسًا وستين سنة وبعدها أنجب غيره من البنين والبنات. وتوفّي مَهلَلَيل عندما بلغ ثماني مئة وخمسًا وتسعين سنة. ورُزق يارِد بإدريس (عليه السّلام)(٤ عندما بلغ مئة واثنتين وستين سنة وبعدها أنجب غيره من البنين والبنات. وتوفّي يارِد عندما بلغ تسع مئة واثنتين وستّين سنة. وسلك إدريس (عليه السّلام) نهج الله، ورُزق بمَتوشالِح عندما بلغ خمسًا وستّين سنة وبعدها أنجب غيره من البنين والبنات. وكانت كلّ أيّام إدريس (عليه السّلام) ثلاث مئة وخمسًا وستّين سنة، وفيها سلك نهج الله، ثُمّ توارى لأنّ الله رفعه إليه.(٥ ورُزق مَتوشالِح بلامِك عندما بلغ مئة وسبعًا وثمانين سنة وبعدها أنجب غيره من البنين والبنات. وتوفّي مَتوشالِح عندما بلغ تسع مئة وتسعًا وستّين سنة. ورُزق لامِك بنوح (عليه السّلام) عندما بلغ مئة واثنتين وثمانين سنة، وسمّاه نوحًا لأنّه قال: “سيُريحنا عن أعمالنا وعن شقائنا في الأرض الّتي أتبعها الله بلعنة”. وبعدها أنجب غيره من البنين والبنات. وتوفّي لامِك عندما بلغ سبع مئة وسبعًا وسبعين سنة. وبعد أن بلغ نوح (عليه السلام) من العمر خمس مئة سنة أنجب سام وحام ويافث.

بداية الطغيان

لمّا تكاثر النّاس على الأرض، ورُزقوا ببنات، رأى بنو الأشراف أَنّ بنات العامّة جميلات فاتّخذوا منهنّ زوجات قسرًا كما طاب لهم. وقال الله: “إنّي جاعلٌ أجلا محدّدا لحياة الإنسان في الأرض، فهو بشرٌ وأيّامه لا يجب أن تدوم إلى الأبد، ولن تتعدّى مئة وعشرين سنة”. وفي تلك الأيام، أنجبت بنات العامة من الحكّام شديدي البأس أولادًا أصبحوا في ما بعد حكّامًا متجبّرين ذوي شأن كبير.

انتشار الشرّ

ورأى الله أنّ شرّ البشر قد انتشر في الأرض، واستمرّ الإنسان في ميوله وأفكاره الشريرة، فاستاء الله من الإنسان الّذي خلقه على الأرض وبدّل مقصده تجاهه. وقال الله: “سأمحو من وجه الأرض الإنسان الّذي خلقتُه والحيوانات والزواحف وطيور السّماء، لأنّي غيّرت مقصدي تجاههم”. أمّا نوحٌ (عليه السّلام) فقد حظي بمرضاة الله.

سيرة النبي نوح

كان نوحٌ (عليه السّلام) صالحًا وهو الوحيد الّذي عُرف بالاستقامة في زمانِهِ، باتّباعه نهج الله. وأنجب النبي نوح ثلاثة بنين، هم سامٌ وحامٌ ويافثُ. ورأى الله أنّ البشر قد ملؤوا الأرض فسادًا وظلمًا، وعمّ الفساد حياة كُلّ فرد، فأوحى الله إلى نوحٍ (عليه السّلام): “لقد قضيتُ أن أُنهي حياة البشر، لأنهم ملؤوا الدنيا ظلمًا. سأُمحوهم من الحياة. واصنعْ لنفسك بوحينا سفينةً من جيّد الخشب واجعل فيها غُرفًا، واطْلِها بالقار من الداخل والخارج. وليكُنْ طولُها ثلاث مئة ذراعٍ، وعرضُها خمسين ذراعًا، وارتفاعها ثلاثين ذراعًا. واجعل للسفينة نافذة يكون بينها وبين السّقف ذراعٌ واحدةٌ، واجعل في جانبها بابًا، وليكن في السفينة طبقاتٌ سُفلى ووُسطى وعُليا. وإنّي أُرسل المياه طوفانًا على الأرض لأُبيد كلّ ما يوجد من كائنات حيّة تحت السماء، إنّ كلّ ما على الأرض هالكٌ. وسأقيم ميثاقي معك، فتدخل السفينة أنت وبنوك وزوجتك وزوجات بنيك. ولتحمل من كل كائن حيّ زوجين اثنين: ذكرًا وأنثى، وليَبقَيا معك على قيد الحياة. خذ اثنين من كلّ نوع من الطيور ومن كلّ نوع من الحيوانات ومن كلّ نوع من الزواحف ـ إنّها آتيةٌ كُلُّها إليك طواعية لتنجو. وخذ معك من كلّ طعام يُؤكل وخزّنْهُ ليكون غذاءً لكم. وأطاع نوحٌ (عليه السّلام) ربّه واستجاب لِما أمره به تعالى.

بداية الطوفان

وبعد الانتهاء من بناء السفينة، أوحى اللهُ إلى نوح (عليه السّلام): “يا نوح اركب السّفينةَ مع جميع أهل بيتك، إنّي لأراك على وجه الأرض صالحًا مستقيمًا من دون الناس. فخذ معك من كلّ نوع من الحيوانات التي تُذبح سبعة أزواج،(١ وخذ من كلّ نوع من بقية الحيوانات اثنين، ذكرًا وأنثى. واحمل معك من كلّ نوع من الطيور سبعة أزواج حتّى لا يُباد جنسها من الأرض. إنّي مرسل بعد سبعة أيام مطرًا على الأرض يدوم أربعين يومًا بلياليها، فأمحو من سطحها كلّ كائن حيّ خلقتُهُ.” وأطاع نوح (عليه السّلام) ربّه واستجاب لأُمره تعالى. وكان نوحٌ (عليه السّلام) قد بلغ ستّ مئة سنةٍ حين حلّ طوفان المياه على الأرض. ودخل نوحٌ (عليه السّلام) السّفينة مع زوجته وبنيه وزوجاتهم لينجوا من مياه الطوفان، وأقبلت على نوح طواعية كلّ الحيوانات والطيور والزواحف الّتي اختارها وركبت السفينة أزواجًا، ذكرًا وأنثى، كما أمر الله نوحًا. وبعد سبعة أيّام غمرت مياه الطوفان الأرض. وبلغ النبي نوح (عليه السّلام) من العمر ستّ مئة سنة، وفي اليوم السّابع عشر من الشّهر الثاني، انفجرت من تحت الأرض ينابيع المياه العميقة وانفتحت مزاريب السّماء. وانهمر المطر على الأرض أربعين يومًا بلياليها.(٢ وفي اليوم ذاته دخل النبي نوحٌ السّفينة مع زوجته وبنيه وزوجاتهم. ودخل معهم من كلّ نوع من الحيوانات والزواحف والطيور أزواجًا ذكرًا وأنثى ثمّ أغلق اللهُ باب السفينة. وتدفّقت المياه على الأرض أربعين يومًا، ورفعت المياه الغزيرة السفينة فوقها، وازداد ارتفاع المياه ازديادًا فغطّى كلّ الجبال الشاهقة في كلّ أنحاء الأرض. وارتفعت المياهُ خمسة عشر ذراعًا فَوق الجبال فغطَّتها وماتت كلّ الكائنات الحية الموجودة على الأرض من بهائم ووحوش وطيور وزواحف وحتّى البشر.(٣ ومحا اللهُ من سطح الأرض كلّ كائن حيّ، ولم يبقَ غير النبي نوح (عليه السّلام) والّذين معه في السفينة

نهاية الطوفان

وحفظ الله وعده مع النبي نوحٍ (عليه السّلام) بأنّ ينجّيه مع كلّ من معه في السفينة، بما في ذلك الحيوانات. فأرسل ريحًا على الأرض، ونقُصَ مستوى المياه. وانسدّت ينابيع الأرض وأُقفلت مزاريب السّماء، وانقطع هطول المطر. وتراجعت المياهُ عن الأرض شيئًا فشيئًا حتّى نقُصت، وبعد مرور خمسة أشهر من بداية الطوفان استقرّت السّفينة على جبال أرارات.(٦ وبعد شهرين ونصف، نقصت المياه أكثر فظهرت رؤوس الجبال. وبعد أربعين يومًا فتح نوحٌ (عليه السّلام) النافذة الّتي صنعها في السّفينة وأرسل الغراب فأخذ يروح ويجيء إلى أن جفّت المياه عن الأرض. ثمّ أرسل نوح الحمامة حتّى تستكشف سطح الأرض، فلم تجد مكانًا تستقرّ عليه، لأنّ المياه ما زالت تغطّي كلّ الأرض. ولمّا عادت، مدّ النبي نوح يده وأدخلها إلى السفينة. وبعد سبعة أيّام أرسل الحمامة من جديد، فعادت إليه في المساء وفي فمها ورقة زيتون خضراء، فعلم نوحٌ (عليه السّلام) أنّ المياه على الأرض تراجعت. وبعد سبعة أيّام أرسل الحمامة مرّة أخرى، ولكنّها لم تعُد إليه. وبعد عشرة أشهر ونصف من بداية الطوفان، وتحديدا لمّا كان عمر النبي نوح ست مئة وواحد، نقصت المياه كثيرًا عن الأرض. فرفع (عليه السّلام) غطاء السفينة، فلاحظ أَنّ سطح الأرض بدأ يجفّ. وبعد مرور شهرين آخرين جفت المياه تمامًا على سطح الأرض.

الخروج من السفينة

وأوحى الله إلى نوح (عليه السّلام) قائلا: “اخرج أنت وزوجتك وبنوك وزوجاتهم من السّفينة(٨ وأطلق في الأرض كلّ أنواع الحيوانات والطيور والزواحف الّتي معك، حتّى تتوالد وتكثر وتزيد. فخرجوا جميعًا من السفينة وخرجت معهم الحيوانات بأصنافها.
وبنى نوحٌ (عليه السّلام) مذبحًا من الحجر لحرق قرابين بعض الحيوانات والطيور المقبولة للذبح، وأحرقها هناك بأكملها قربانًا لله.(٩ فقبلها الله برضى، وأطلق عهدًا: “لن أنزع بركتي عن الأرض مرّة أخرى بسبب الإنسان، مع أَنّ ميول قلبه شريرةٌ منذ الطفولة. ولن أهلك كلّ حيّ كما فعلتُ.

،فما دامت الأرض باقية
،فالزّرع والحصاد
،والبرد والحرّ
،والصّيف والشّتاء
،واللّيل والنّهار
“.لا ينقطع دورانها أبدًا

ما بعد الطوفان: ميثاق الله

وبارك الله في النبي نوح (عليه السّلام) وفي بنيه قائلا: “تكاثروا وعمّروا الأرض. وستخافكم جميع الحيوانات والطيور والزواحف وأسماك البحر وترهبُكم. إنّا جعلناكم عليها خلائف. ولتكن كلّها منذ الآن طعامًا لكم، كما كان النبات الأخضر سابقًا طعامًا. ولكن لا تأكلوا لحمًا يقطر دمًا، لأنّ الدم هو الحياة. أمّا دماؤكم المسفوكة، فإنّي أُحاسب عليها كلّ حيوان، وأُحاسب كلّ إنسان على حياة أخيه. فمَن يسفك دم الإنسان، يُسفك دمُهُ، إنّي خلقت الإنسان حتّى يكون ظلّي في الأرض.(٢ فتكاثروا وتوالدوا وعمّروا الأرض وسيطروا عليها”. وأوحى الله إلى نوحٍ (عليه السّلام) وبنيه: “ها أنا أقيم الآن ميثاقي معكم ومع نسلكم من بعدكم، ومع كلّ كائن حيّ خرج معكم من السفينة، من بهائم ووحوش وطيور. نعم، أُقيم ميثاقي معكم، فلن تُبيد المياه جميع الأحياء مرّة أخرى، ولن أرسل طوفانًا آخر ليخرّب الأرض”. وأضاف تعالى: “ولأضعنّ علامة على الميثاق الّذي أُقيمه بيني وبينكم، وبيني وبين كلّ كائن حيّ معكم عبر الأجيال: ها هو قوس قزح في السّحاب، علامة الميثاق بيني وبين الأرض. فعندما أرسلُ السحاب على الأرض، ويظهر قوسُ قزح، فليكن هذا تذكيرًا أنّي حافظ أمين للميثاق الّذي بيني وبينكم وبين كلّ كائن حيّ. فلن تتحوّل المياه إلى طوفان يبيد الأحياء. ومتى ظهر القوس في السحاب، كان علامة على أنّي حافظ للميثاق الأبديّ.” وأوحى الله إلى النبي نوحٍ: “هذه هي علامة الميثاق الّذي أقمتُه بيني وبين كلّ كائنات الأرض”.

النبي نوح وبنوه

وعاش النبي نوحٌ (عليه السّلام) بعد الطوفان ثلاث مئة وخمسين سنةً، وبلغ عدد السنوات التي عاشها (عليه السّلام) ألف سنة إلاّ خمسين.(٤ وخرج نوحٌ (عليه السّلام) من السفينة مع أبنائه سام وحام ويافَث. وكان لِحام ابن اسمه كَنْعان. وكنعان هو جدّ الكنعانيّين. وانحدر كلّ سكّان الأرضِ من أبناء نوح الثلاثة

انتشار ذرية النبي نوح بعد الطوفان

هذه ذرية أبناء النبي نوح: سام وحام ويافِث، وأنجبوا أولادا بعد الطوفان. ومن يافِث انحدرت الشعوب في سواحل البحر: شعوبُ جُومَر ومأجوج وماداي واليونان وتوبال وماشَك وتيراس. ومن جومَر انحدرت شعوبُ أَشْكَناز وريفاث وتوجَرْمة. وانحدر من الشعب اليوناني شعبُ أَليشَة وتَرْشيش وقُبرص وجَزيرةِ رُودُس. ومن بني اليونان تفرّع سكّان سواحل البحر الأبيض المتوسّط حسب قبائلهم وشعوبهم ولغاتهم. ومن حام انحدر شعبُ كوش ومِصر وليبيا وكَنْعان. ومن شعب كوش انحدرت الشعوبُ المجاورة للبحر الأحمر، وهم سَبا وحَويلَة وسَبْتَة ورَعْمَة وسَبْتَكا. ومن شعب رَعْمَةَ انحدر شعبُ سَبأ ودَدان. ومن شعب كوش انحدر نِمْرودَ الّذي أصبح حاكما متجبّرا في الأرض، وكان صيّادًا قديرًا(٧ بإذن الله، لذلك يقول المثل: “إنّه كنمرود، الذي كان صيّادًا قديرًا بإذن من الله”. واحتوت مملكته في البداية على مدن البلاد البابلية: بابِل وأَرَك وأَكَّد وكَلْنة. وامتدّت أراضيه إلى أَشّور وبنى نِينَوى ورَحوبوت عَير وكالَح، ومدينة رَسَن العظيمة الواقعة بين نينوى وكالَح. ومن شعب مصر انحدرت قبائل لود وعَنام ولَهاب ونَفتوح وقبائل الصَّعيد وكَسلوح وجزيرة كريت، وانحدر شعب فِليسطيا من جزيرة كريت. وانحدر من شعب كَنعان أهل صَيدا والحِثّيين، والوثنيون الذين سكنوا قديما في مدينة القدس، والأَموريّون والجِرْجاشيّون الّذين جاوروهم، وفي ساحل بلاد الشام الحَوّيّون وسكّان عكّار والسّينيّون، وسكّان جزيرة أرواد وبلاد صَمار وحَماة. وانتشرت بعد ذلك قبائل الكَنعانيّين. فامتدّت حدود كنعان من صَيدا إلى غزّة مرورًا بجَرار، ثمّ إلى لاشَع مرورًا بِسَدوم وعَمورة وأَدمة وصَبويم وهي مدن تقع بجوار البحر الميت. وتنحدر هذه الشعوب جميعًا من حام حسب بلادهم وشعوبهم وقبائلهم ولغاتهم. وسام هو أخو يافث الأكبر، وقد أنجب أيضًا أولادًا. وتنحدر منه جميع عشائر بني عابِر. وذرّيّة سام هم: شعوب عيلام وأَشّور وأَرفَكْشاد ولود وآرام. ومن آرام تنحدر شعوب بلاد عُوص وحُول وجاثَر وماش. وأنجب أَرفَكشاد شالَح وشالَحُ أنجب عابِر. وأنجب عابِر ولدين، اسم الأوّل فالَق ومعناه قاسم، لأَنّ الأرض انقسمت في أَيّامه. واسم الثاني قَحطان. وانحدر من قَحطان شعوب المودّد وسالف وحَضَرْمَوت ويارَح وهَدورام وآزال ودِقْلة وعوبال وأَبيمايل وسَبأ وأُوفير وحَويلة ويُوباب. واستقرّوا جميعا في منطقة الجبال الشرقية الواقعة بين ميشَع وسَفار. وتنحدر هذه الشعوب جميعًا من سام حسب بلادهم وشعوبهم وقبائلهم ولغاتهم. إنّ هذا عرضٌ للشعوب التي انحدرت من أبناء نوح (عليه السّلام) حسب تفرّع سُلالاتهم، ومنهم تفرّقت بقية الشعوب في الأرض بعد الطوفان.

برج بابل

وكان أهل الأرضِ يتكلمون لغة واحدة ويتواصلون فيما بينهم بها. ولمّا رحلوا من المشرق وجدوا سهلا في بلاد بابل، فأقاموا هناك. وقال بعضهم لبعض: “تعالوا نصنع طوبًا ونجفّفه بالنار”. فاستخدموا الطّوب بدل الحجارة، وألصقوها بعضها ببعض بالقار بدل الطّين. وقالوا: “تعالَوا نَبنِ لنا مدينة وبرجًا تبلغ قمّته إلَى السّماء.(٩ فنرفع شأننا بين الناس فلا نتشتَّتُ على وجه الأرض كلّها”.(١ وبينما كان بنو آدم يبنون المدينة والبرج تجلّى الله فقال: “إنّهم شعب واحد، ويتكلّمون لغة واحدة! وما فعلوه ليس إلاّ بداية، ولن يصعب عليهم أمر ينوون فعله! سأتجلّى هناك وسأبلبل ألسنتهم، حتّى لا يفهم بعضهم لغة بعض”. وهكذا شتَّتهم الله على وجه الأرضِ كلّها، فكفّوا عن بناء المدينة. ولهذا سُميت بابل، لأنّ الله بلبل ألسنة النّاس جميعًا في هذا المكان، وشتَّتهم على وجه الأرض كلّها.