7

قصّة آدم وحواء

مدخل إلى قصّة آدم وحواء

آدم وحواء هما شخصيتان أساسيتان في الديانات الإبراهيمية الثلاث لأنهما أوّل من خلق الله من البشر. واسم آدم في اللغة العبرية يعني الإنسان بينما اسم حواء مشتق من كلمة حياة. ولم ترد أيّ إشارة في قصة آدم وحواء هنا إلى مكان دفنهما، بينما أشارت إلى عمر آدم عند وفاته إذ عاش 930 سنوات (انظر سفر التكوين 5: 5).

جاء في قصّة خلق آدم وحواء أنه تمّ خلقهما كظل الله، ويقابل تعبير ظل الله في التوراة تعبير صورة الله. وهذا التعبير مجازي يشير إلى السلطة والحكم من عند الله. وفي العالم القديم اعتبر الملوك أنهم ظل الله في الأرض بينما أكّد الله في التوراة أنه منح هذه الميزة لكل البشرية رجالا ونساء ابتداء من آدم، لذا فإنّ الناس جميعا بلا تفرقة هم خلفاء الله في الأرض كما تؤكد ذلك سورة البقرة أيضا، الآية 30، وسورة الأنعام الآية 165.

خلق الله أوّل امرأة من جسد رجل، وهذا يعني أنهما باقترانهما يؤلفان عائلة جديدة ويصبحان واحدا [التوراة، سفر التكوين 2: 24]. لهذا السبب فإنّ ولاء أحدهما نحو الآخر يجب أن يكون أقوى من ولائهما لوالديهما. واقتبس السيد المسيح من هذه الكلمات في التوراة حين تكلّم عن مسألة الزواج والطلاق قائلا: ((باقترانهما يصبحان واحدا، فما جمعه الله لا يفرّقه إنسان)). الإنجيل، متّى 19:6

وهناك موضوع آخر جدير بالذكر في سفر التكوين، وهو صلة الربط بين آدم والأرض ونراه في استعمال الكلمتين آدم وأديم وما يجمعهما من مشترك لغوي. فعندما عصى آدم وحواء الله لحقت بالأرض لعنة. ومنذ ذلك الوقت كان آدم (عليه السلام) مجبرا على العمل بجهد لكي يكسب رزقه، وربّما كانت هذه اللعنة سببا في الغربة بين البشر والأرض. وأخبر الله آدم بعقابه، إذ سيأكل طعامه ((بجهد جهيد)) [التكوين 3: 17[. وستلقى حواء عقابا موازيا لِما سيحلّ على آدم إذ ستلد ((بجهد جهيد)) [التكوين 3: 16[. ورغم هذا العقاب الذي أرسله الله على آدم وحواء، يحقّق الله وعده في النهاية بحلول المملكة الربانية ((فلا لَعنةَ تُلاحِقُ أهلَ هذِهِ المَدينةِ المَحروسة بَعدَ الآنَ)) ]كتاب الرؤيا 22: 3[. وقد أوحى الله على لسان النبي أشعيا ((فيسكن الذئب مع الخروف ويرقد النمر مع الجدي ويكون العجل والخروف في أمان مع الأسد ويقودهم جميعا طفل صغير…وفي جبل الله المقدّس لا شيء يؤذي ولا شيء يضرّ لأنّ الأرض ستمتلئ بالعارفين بالله امتلاء البحار ماء)) ]كتاب النبي أشعيا 11: 6، 9.

ونرى إشارة إلى خطيئة آدم وحواء في القرآن حيث جاء فيه: ﴿وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ﴾ [سورة طه: 121]. ونستطيع أن نفهم عاقبة عصيان آدم وحواء بطرق متعددة، فمثلا كتب الحواري بولس ما يلي: ((كان آدم أول من أذنب من الناس، ففتح باب الإثم على الدنيا، ونتج عن ذلك الموت، وسرى الهلاك إلى كل الناس لأنهم خطاؤون جميعا)) [رسالة بولس إلى أحباب الله في روما 5: 12]. ويذكر بعض الباحثين الذلّ الذي حلّ على آدم وحواء وكيف لحق بكلّ ذريّتهم مع أنّهم لم يرتكبوا الخطيئة ذاتها التي ارتكبها آدم وحواء.

وعندما استمع آدم وحواء إلى وسوسة الحيّة (وجاء تفسيرها في الديانات الإبراهيمية بأنها رمز الشيطان) غلبتهما بحيلها وفتحا بابا لتأثير الشّيطان عليهما ولأذاه عليهما وعلى نسلهما. وأوحى الله أنه سيجعل عداوة بين الحيّة والمرأة، ((وسيسحق نسل المرأة رأس الحية)) وبين نسلها وبين ما ينحدر من الحيّة. أمّا بالنسبة إلى نسل حواء فقال الله إنّ نسلها سيسحق رأس الحية. ويؤكّد الحواري بولس إتمام هذا الوعد بخصوص السيّد المسيح إذ قال: ((واللهُ الّذي يَهبُ السّلامَ، سيَجعَلُ الشَّيطانَ تَحتَ أقدامِنا قَريبًا)) [الرسالة إلى أحباب الله في روما 16: 20]. وجاء هذا تحقيقا لوعد الله المتعلّق بحواء ونسلها.

وبعد مرور قرون من الزمن، وعند عودة بني يعقوب من سبيهم في بلاد بابل حيث أرسلهم الله عقابا على ذنوبهم، أخذوا ينظرون إلى أنفسهم كأنّهم جميعا بمثابة آدم الثاني. فكما عصى آدم ربّه ثم طُرد من الجنة كذلك عصى بنو يعقوب الله وطُردوا من أرض الميعاد. أمّا في الإنجيل فنستطيع أن نرى كيف تتطوّر هذه الفكرة، ولكنّ السيد المسيح هنا بمثابة آدم الجديد لكن بطريقة مختلفة. فالسيد المسيح أطاع الله وبطاعته جعل أمّة الله تعود إلى الجنة. وكتب الحواري بولس بهذا الخصوص ما يلي: ((فلقد جاءَ في التَّوراةِ: “فكانَ آدمُ، الإنسانُ الأوَّلُ، كائِنًا حيًّا”. أمّا سَيِّدُنا عيسى فهو بمَثابةِ آدمَ الأخيرِ ورُوحِ اللهِ وهو مَن سيُحيي أَرواحَنا.. وهكذا تَرَونَ أنّ الجِسمَ الدُّنيَويَّ يأتي أوَّلاً، أمّا الجِسمُ النّورانيُّ فيأتي لاحِقًا، وإنّ آدمَ، الإنسانَ الأوَّلَ، أرضيٌّ مِن تُرابٍ، أمّا السَّيِّدُ المَسيحُ، الإنسانُ الثّاني، فهو مِن السَّماءِ)) [رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنتوس 15: 45‏-47].

قصّة آدم وحواء

خلق آدم وحواء

عندما بدأ الله خلق السّماوات والأرض، لم يكن في الأرض شجر ولا عشب، لأنّ الله لم يرسل بعد مطرًا ليسقي الأرض ولم يخلق الإنسان بعدُ ليفلَحها. وإنّما كانت عيون الماء تفيض من جوف الأرض فتسقيها. وخلق الله الإنسان من أديم الأرض، من تراب خلقه، ونفخ فيه من روحه، فأصبح آدم (عليه السّلام) إنسانا ينبضُ بالحياة. وجعل الله سبحانه وتعالى بستانا خصيبا في الأرض ناحية عدن من جهة الشرق، وفيه وضع تعالى الإنسان الذي خلقه. وكان هذا البستان جميلا جدّا، مليئا بكلّ أنواع الأشجار، ما حسُن مَنظرها وما لذّ مأكلها. وهذا المكان بمثابة جنّة الله في الأرض، تتوسّطه شجرتان، شجرة الخلد ومَن يأكل منها يعيش أبدًا، وشجرة معرفة الخير والشرّ. ويجري من عدن نهرٌ يسقي الجنّة، ويتفرّع إلى أربعة أنهار. فيشون اسم النّهر الأوّل، ويمرّ بأرض الحَويلة الغنيّة بأجود أنواع الذّهب والصّمغ الفوّاح وحجر العقيق. وجيحون اسم النّهر الثّاني، ويمرّ بأرض كوش.
ودجلة اسم النّهر الثّالث، ويجري شرق أشّور. والفرات هو اسم النّهر الرّابع.

وجعل الله سبحانه وتعالى آدم (عليه السّلام) في هذه الجنّة الخصبة ليعتني بها ويحميها، وأمره: “لك أن تأكل من كلّ شجر الجنّة، إلاّ شجرة معرفة الخير والشرّ، إنّك إن تأكل منها تلقى الهلاك لا محالة”.

ثمّ قال اللهُ: “لا خير في بقاء هذا الإنسان وحيدًا. سأَخلق له نظيرا يؤنسه ويشاركه حياته”. وقدّم الله أمام آدم (عليه السّلام) كلّ الحيوانات والطّيور التي خُلقتْ من تراب مثله، حتّى يختار لها أسماء. ففعل ذلك، ولم يكن من بين كلّ هذه المخلوقات من يؤنس آدم ويشاركه حياته. فأغشاه الله في سُبات عميق وأخرج من جنبه ضلعًا وملأ مكان الضلع لحمًا. وجعل الضلع امرأة وأعطاها لآدم لتكون له زوجة ورفيقة. فقال آدم (عليه السّلام):

“هذه عظمٌ من عظامي،

ولحمٌ من لحمي.

اسمُها منذ الآن امرأةٌ،

لأنّها مِن امْرئٍ أُخِذتْ”.

لهذا السّبب يترك الرّجل أمّه وأباه ليقترن بزوجته، فيؤلفان عائلة جديدة وباقترانهما يُصبحان واحدًا.

وكان آدم وحوّاء لمّا خلقهما الله عريانين، لم يعرفا ذلك ولا كانا على حياء منه.

عصيان آدم لربّه

وكانت الحيّة أشدّ الحيوانات الّتي خلقها الله مكرًا، وفي أحد الأيّام تكلّم الشّيطان على لسان الحيّة فقالت لحوّاء: “هل نهاكما الله حقًّا من أن تأكلا من شجر الجنّة؟” فردّت عليها حوّاء: “كلاّ، إنّا قادران أن نأكل من كلّ أنواع شجرها هنا، إلاّ الشّجرة الّتي تتوسّط الجنّة فقد نهانا الله عن ثمارها وأمرنا قائلا: “إيّاكما أن تـأكلا من ثمرها، بل لا تلمساها، إنّكما إن فعلتما ذلك تصبحان من الهالكين”. فقالت الحيّة: “لن تهلكا! إنّ الله عليمٌ أنّكما حين تأكلان من ثمر الشّجرة تنفتح بصيرتكما وتصبحان ذا نفوذ تميّزان الخير من الشرّ”. وصدّقت حوّاء كلام الحيّة، وعندما نظرت إلى الشّجرة ورأت أنّ ثمرها طيب المذاق شهي المنظر، وأرادت من أكله الحكمة، فقطفت ثمرا وأكلت منه، وأعطت زوجها فأكل بدوره. وما إن أكلا حتّى تفتّحت بصيرتهما وعلما أنّهما عريانان فغطّيا نفسيهما بورق التّين. وهبّت رياح عاتية، وسمعا وَقْعَ صوت الله في الجنّة فقاما مسرعين وحاولا الاختباء بين الأشجار. فنادى العليم القدير آدم (عليه السّلام): “يا آدم أتختبئ منّي؟” فأجاب آدم: “إنّي، يا ربّ، سمعتُ صوتك في الجنّة فخفتُ واختبأتُ لأنّي عريان”. وقال الله العليم البصير: “ألا تخبرني كيف عرفت أنّك عريان؟ هل أكلت من الشّجرة التي نهيتك عنها؟” فأجاب آدم (عليه السّلام): “كلاّ إنّما حوّاء المرأة التي خلقتها لي، أطعمتني من فاكهة الشّجرة، فأكلتُ”. وسأل الله حوّاء: “ماذا فعلتِ؟” فردّت حوّاء: “إنّها الحيّة! خدعتني وجعلتني آكل من الشّجرة!” فقال الله سبحانه وتعالى للحيّة:

“من أجل ما فعلتي،

أنت ملعونة من بين كلّ الكائنات،

على بطنك تزحفين ومن التّراب طول حياتك تأكلين

وأقيم عداوة بينك وبين المرأة

وبين نسلها وفصيلتك

هو يسحق رأسك

وأنتِ عقبه تلدغين”.

ثم قال الله لحوّاء: “لأنّك فعلتي ما طلبَت منك الحيّة وما أطعتي كلامي،

فليكوننّ حملك ألمًا شديدًا

ولتلقينّ حين تلدين جهدًا جهيدًا

ولتكوننّ رغبتك في التحكّم في زوجك عظيمة،

ولكنّه هو الّذي يتحكّم فيك”.

وقال الله لآدم (عليه السّلام):

وأنت يا آدم ما كان لك أن تعصي وصيّتي،

ولكنّك اتّبعت كلام زوجتك وأكلت من الشّجرة الّتي نهيتك عنها.

وبسببك تحلّ على الأرض لعنةٌ

وبجهد جهيد لتأكلنّ طعامك من الأرض طول حياتك،

فإنّها لن تنتج لك ثمار فقط

بل ستنبت لك الأشواك أيضًا.

وستأكل من تعبك وعرق جبينك

إلى أن تعود إلى أديم الأرض الذي منه خُلقت،

لأنك من تراب وإلى التّراب تعود”.

وسمّى آدم زوجته حوّاء لأنّها أمّ كلّ حيّ من البشر.

واتّخذ الله لآدم وحوّاء ثوبين من جلد ليسترهما. وكان الله عليما أنّ الإنسان صار مثله يعرِفُ الخير والشرّ، فقال: “إيّاه الآن أن يقترب من شجرة الخلد أيضًا، إنّه إن يأكل منها يحيى إلى الأبد”.

لذلك أخرجهما الله من الجنّة الخصبة، وأرسل آدم (عليه السّلام) إلى الأرض التي خُلق منها ليزرعها. وبعد أن أخرجهما الله من الجنّة، أقام سبحانه وتعالى على الطّريق المؤدّية إلى شجرة الخلد عددا من الملائكة المقرّبين ومعهم سيف يشتعل نارًا ينتقل من جهة إلى أخرى ليحرسوها.